لم يعد العالم الرقمي مجرد منصة للترفيه أو مشاركة لحظات عابرة، بل صار ساحة يتقاطع فيها الواقع بالخيال، ويتحول فيها المحتوى إلى قضايا رأي عام، بل أحيانًا إلى ملفات قانونية. ومن بين أكثر القضايا التي أثارت الجدل مؤخرًا، قصة القبض على صانع المحتوى المصري المعروف باسم المغامر خالد بن جلال، الذي اشتهر بمقاطع فيديو تصور مغامراته داخل الأماكن المهجورة، زاعمًا أنه يتعامل مع الجن والعفاريت، ليجد نفسه في النهاية أمام جهات التحقيق بعد أن تحول من مجرد مغامر رقمي إلى متهم رسمي.
هذه القصة ليست مجرد واقعة شخصية، بل هي نموذج يختصر الكثير من الظواهر: كيف يجذب المحتوى الغريب المشاهدات؟ كيف يمكن أن يتحول الفضول الشعبي إلى وسيلة للكسب السريع؟ وكيف تضع الدولة حدودًا فاصلة بين الترفيه المشروع والتضليل المجرَّم قانونًا؟
كيف اشتهر خالد بن جلال؟
ظهر خالد بن جلال في الساحة الرقمية منذ فترة وهو يحمل لقب "المغامر"، حيث تخصص في دخول المباني المهجورة والمناطق التي تحيط بها قصص عن السحر أو الأشباح أو "الجن". كانت الفيديوهات تُصوَّر بكاميرات بسيطة أو حتى بهواتف محمولة مع إضاءة محدودة، لكنها كانت مصحوبة دائمًا بتعليقاته المثيرة التي توحي بأنه يواجه خطرًا حقيقيًا داخل هذه الأماكن.
الجمهور انقسم حول محتواه:
-
فئة رأت فيه شخصية شجاعة ومسلية تخوض مغامرات غير مألوفة.
-
وفئة أخرى اعتبرت ما يفعله مجرد دجل وتضليل للجمهور، خاصةً حين بدأ يلمح إلى أنه قادر على "استخراج الجن" أو التعامل مع قوى غيبية.
ومع ازدياد الجدل، ازدادت المشاهدات، وهنا تحوّل الأمر من مجرد مغامرة إلى مصدر دخل ضخم.
من الذي تكلم عن المغامر خالد بن جلال ؟
هذه القناة تكلمت عنه باستفاضه واخر فيديو لها الان " تم القبض علي المغامر خالد بن جلال "
لماذا تحركت الأجهزة الأمنية؟
ما جعل القضية تتصاعد هو طبيعة الرسائل التي حملتها مقاطع الفيديو. لم تعد مجرد لقطات ليلية داخل منازل مهجورة، بل صارت تحمل إيحاءات صريحة بقدرات خارقة، وكأن صاحبها يقدم "خدمات روحانية" بشكل مقنع للجمهور. هنا رأت السلطات أن الأمر تجاوز حدود الترفيه، وأصبح شكلًا من أشكال التضليل واستغلال الناس، خصوصًا أن هناك سوابق مشابهة انتهت بعمليات نصب على ضحايا دفعوا أموالًا مقابل وعود كاذبة.
من الرصد إلى التحفظ
بحسب ما نقلته مصادر صحفية، بدأت القصة حين رصدت الجهات الأمنية محتوى حساباته على يوتيوب وفيسبوك وتيك توك. وبعد التحقق من هوية القائم على هذه الحسابات ومكان إقامته، جرى استهدافه وضبطه داخل نطاق محافظة القاهرة.
خلال عملية الضبط، تم التحفظ على:
-
هاتفين محمولين يحويان تسجيلات ومقاطع مرتبطة بالقضية.
-
أدوات تصوير وإضاءة كان يستخدمها في إنتاج الفيديوهات.
-
أدوات وقطع وُصفت بأنها تُستعمل في أعمال الدجل.
-
محافظ إلكترونية تحوي مبالغ مالية يشتبه أنها عائدات من نشاطه على المنصات.
الخطوة التالية كانت إرسال هذه المضبوطات إلى جهات الفحص الفني لاستخراج البيانات الرقمية وتحليل مصادر الدخل.
ماذا جرى في التحقيقات؟
أمام جهات التحقيق، أدلى خالد بن جلال باعترافات أولية، أهمها أنه:
-
لم يكن يقصد ممارسة أعمال سحر حقيقية.
-
كان الهدف من المقاطع هو جذب المشاهدات ورفع نسب التفاعل.
-
الأرباح التي جناها جاءت من المنصات عبر المشاهدات والهدايا الافتراضية فقط.
هذه الأقوال اعتبرها فريق دفاعه محاولة لتوضيح أن الأمر كان "ترفيهًا مبالغًا فيه" وليس نصبًا مباشرًا على أشخاص.
لكن النيابة واجهته بالأدلة الرقمية والأدوات المضبوطة، وقررت حبسه مبدئيًا لمدة 24 ساعة لحين ورود التحريات واستكمال الفحص الفني للمحتوى والأجهزة.
الأبعاد القانونية
القانون المصري لا يجرّم "السحر والشعوذة" بمسمى مباشر، لكنه يعتبر أي ممارسة تقوم على خداع الجمهور للحصول على المال نوعًا من النصب والاحتيال. وبالتالي، فإن القضية يمكن أن تُصنَّف ضمن:
-
جرائم النصب إذا ثبت حصوله على أموال من ضحايا عبر وعود كاذبة.
-
جرائم المحتوى المضلل إذا اقتصر الأمر على صناعة فيديوهات توهم بقدرات خارقة دون تعامل مالي مباشر مع الجمهور.
الفرق هنا مهم جدًا، لأنه سيحدد مصير القضية: إما عقوبات بسيطة وغرامات، أو قضية نصب كبرى قد تصل إلى الحبس.
التحليل النفسي والاجتماعي
ما يقدمه خالد بن جلال يلامس جزءًا حساسًا من الثقافة الشعبية في مصر والعالم العربي: قصص الجن، السحر، والبيوت المسكونة. هذه المواضيع تستثير فضول المشاهد وتخاطب مخاوفه في الوقت نفسه.
-
نفسيًا: المشاهد يدخل في تجربة "رعب آمن"، يعيش الخوف وهو يعلم أنه يشاهد من خلف شاشة.
-
اجتماعيًا: تنتشر هذه المقاطع أكثر في البيئات التي تزداد فيها روايات الخرافة، ما يجعلها سوقًا رائجة للمحتوى الماورائي.
لكن الخطر يكمن حين يفقد المشاهد القدرة على التمييز بين الترفيه والخداع، وهنا يبدأ الاستغلال.
دور المنصات
المنصات الرقمية الكبرى مثل يوتيوب وتيك توك لديها سياسات تمنع التضليل أو استغلال الجمهور. ومع ذلك، فإن اكتشاف هذه الفيديوهات يعتمد على التبليغات، وقد تتأخر الاستجابة حتى يتحول الأمر إلى قضية رأي عام.
قضية خالد بن جلال سلطت الضوء مجددًا على حاجة هذه المنصات لتطوير خوارزميات تميّز بين المحتوى الترفيهي والمحتوى الذي يروّج للخرافات كحقيقة.
خط زمني للأحداث
-
4 سبتمبر 2025: الإعلان عن ضبط خالد بن جلال والتحفظ على هواتفه وأدواته.
-
5 سبتمبر 2025: بدء التحقيقات، واعترافه بأن المقاطع كانت لزيادة المشاهدات والربح.
-
6 سبتمبر 2025: تداول صحفي واسع وتأكيد أن الفيديوهات أُرسلت للفحص الفني.
-
7 سبتمبر 2025: لا تزال القضية قيد التحقيق، مع قرار بحجزه 24 ساعة على ذمة التحريات.
ماذا بعد؟
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم يُعلن عن قرار نهائي بشأن مصير خالد بن جلال. السيناريوهات المحتملة تشمل:
-
إخلاء سبيله بضمان مالي.
-
إحالته إلى محكمة الجنح بتهمة نشر محتوى مضلل.
-
توسيع دائرة الاتهام إلى النصب إذا ظهرت شكاوى أو أدلة جديدة.
دروس مستفادة
-
للمشاهدين: لا تنخدعوا بالمحتوى الماورائي، وافصلوا بين الترفيه والحقيقة.
-
لصناع المحتوى: لا تجعلوا الإثارة تبرر التضليل، فالقانون يضع حدودًا واضحة.
-
للمؤسسات: ضرورة زيادة التوعية الرقمية وتشديد الرقابة على المحتوى الخادع.
قضية خالد بن جلال تكشف كيف يمكن لمغامرة افتراضية أن تنتهي في أروقة القضاء. هي قصة عن الحدود الضبابية بين الترفيه والخداع، بين الجذب المشروع للجمهور واستغلاله. وفي النهاية، تبقى العبرة أن المصداقية هي رأس المال الحقيقي لأي صانع محتوى، وأن اللعب على أوتار الخرافة قد يدرّ مشاهدات لحظية لكنه يقود إلى عواقب وخيمة.المصادر
-
القاهرة 24 – تقارير عن ضبط خالد بن جلال والتحفظ على هواتفه وأدواته.
-
العين الإخبارية – تفاصيل عن المضبوطات واعترافات أولية.
-
إرم نيوز – ملخص أقوال المتهم أمام التحقيق.
-
صدى البلد – تحريز الفيديوهات وإرسالها للفحص الفني.
-
تقارير تحليلية قانونية عن غياب نص صريح لتجريم السحر والشعوذة واعتماد القضاء على تكييف جرائم النصب
-
-